رسالة لم تصل في عيد الأم
جلس "ياسر" على كرسيه الخشبي القديم في شرفته المطلة على الحديقة، ممسكًا بكوب من القهوة التي لم يعد مذاقها كما كان. كان اليوم عيد الأم، لكنه لم يكن يومًا عاديًا بالنسبة له.
نظر إلى السماء الملبدة بالغيوم، واسترجع ذكريات طفولته عندما كان يركض في أرجاء المنزل بحثًا عن والدته ليُريها رسوماته العشوائية، فتحتضنه وتقول له: "كل شيء منك جميل يا ياسر."
كان يتذكر كيف كانت تصحو مبكرًا كل يوم، تحضر له فطوره بعناية، وتجهز ملابسه المكوية بعطرها الخاص، ثم تودّعه بابتسامة دافئة وهو يخرج إلى المدرسة. كان يشعر حينها أن العالم كله آمنٌ مادامت أمه معه.
رسالة لم تُكتب أبدًا
كبر ياسر، وانشغل بالحياة مثل الجميع. كانت والدته تتصل به كل يوم، تسأله عن عمله، عن طعامه، عن صحته، وهو يجيب بسرعة، معتذرًا بأنه مشغول دائمًا. لم يكن يدرك أن تلك المكالمات القصيرة كانت عالمها بأكمله.
في إحدى الليالي، وبينما كان يعمل حتى وقت متأخر، رأى شاشة هاتفه تضيء باسمها، لكنه تركها ترنّ دون إجابة. قال في نفسه: "سأتصل بها لاحقًا." لكنه لم يفعل.
في اليوم التالي، وصله خبر لم يكن مستعدًا لسماعه أبدًا.
وداع بلا كلمات
وجد نفسه واقفًا أمام قبرها، والدموع تملأ عينيه. حاول أن يقول شيئًا، أن يعتذر، أن يخبرها كم يحبها، لكنه لم يجد الكلمات. فقط كان هناك فراغ قاتل في قلبه.
عاد إلى المنزل، بحث بين أغراضها، ووجد صندوقًا خشبيًا صغيرًا كانت تخبئه بعناية. فتحه بيدين مرتعشتين، ليجد داخله كل بطاقات عيد الأم التي كان يهديها لها منذ طفولته، حتى تلك الورقة الصغيرة التي كتب عليها بخط طفولي:
"أمي، أنتِ روحي."
كان ذلك آخر ما استطاع أن يقرأه قبل أن يغلبه البكاء. أدرك حينها أن الوقت قد مضى، وأن الكلمات التي لم يقلها لن تصل أبدًا.
رسالة لكل من لديه أم
في ذلك المساء، جلس ياسر ليكتب رسالة، لكن هذه المرة لم تكن رسالة اعتذار، بل كانت رسالة لكل من لا يزال لديه أم:
"لا تؤجل كلمات الحب، لا تنتظر أن تعبر لاحقًا، لا تفوّت مكالمة، لا تستهِن بابتسامة أمك وهي تسمع صوتك. لأن اليوم الذي تعتقد أنه مجرد يوم آخر قد يكون آخر فرصة لك. احتفل بأمك، ليس في عيدها فقط، بل في كل يوم، في كل لحظة، في كل نفس."
نظر إلى السماء مجددًا، وقال بصوت خافت لكنه مليء بالشوق: "كل شيء منكِ كان جميلًا يا أمي." 💙